تمكين المجتمعات الرقمية: الذكاء الاصطناعي والابتكار من أجل مستقبل مستدام
احتفالاً بعام المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة واليوم العالمي للإبداع والابتكار، نظّمت هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية منتدى تمكين المجتمعات الرقمية تحت شعار "تسخير الذكاء الاصطناعي والابتكار من أجل مستقبل رقمي شامل"، وذلك بتاريخ 21 أبريل 2025 في فندق إنتركونتيننتال دبي فستيفال سيتي. جمع المنتدى نخبة من المفكرين وصنّاع السياسات وروّاد الأعمال والشباب والمبتكرين، لاستكشاف كيفية إعادة تشكيل المجتمعات من خلال التكنولوجيا الناشئة والذكاء الاصطناعي، والمساهمة في دفع عجلة التقدم الرقمي المستدام.
صُمم المنتدى لتسليط الضوء على النهج المرتكز على الإنسان في التحول الرقمي، من خلال التركيز على كيفية تحسين التكنولوجيا لحياة الأفراد، وتطوير الخدمات العامة، وتعزيز الشمولية. وجسد المنتدى الدور الاستراتيجي للهيئة في تمكين مجتمع رقمي متصل وآمن ومبتكر، تماشياً مع رؤية دولة الإمارات لبناء مجتمعات مرنة وشاملة ومستعدة للمستقبل، عبر الابتكار والتعاون بين مختلف القطاعات.
بدأت فعاليات المنتدى بكلمة ترحيبية ألقاها سعادة المهندس ماجد سلطان المسمار، مديرعام هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، أكد فيها أن التحول الرقمي لم يعد خياراً بل ضرورة للتنمية الوطنية. وقال: "يشكل هذه المنتدى محطة استراتيجية في رحلتنا نحو مستقبل مستدام يقوده العلم ويغذّيه الابتكار. فالاستثمار في التقنيات المتقدمة وتمكين الإنسان هو السبيل نحو التميز الوطني والريادة العالمية." كما شدد على أهمية الإدارة الذكية والحلول المبتكرة والتكامل بين القطاعين العام والخاص لتحقيق أهداف دولة الإمارات لعام 2031.
وتضمنت القمة سلسلة من الجلسات الرئيسية التي ساهمت في إثراء الحضور برؤى استشرافية. ناقش السيد سييم سيكوت، الرئيس التنفيذي السابق للمعلومات في حكومة إستونيا، دور التكنولوجيا في تحويل المجتمعات وإعادة تعريف مستقبلها. وفي كلمته الرئيسية، أكد السيد سيم سيكوت على أن التحول المجتمعي الحقيقي لا ينبع من الابتكار فحسب، بل من كيفية تصميم التكنولوجيا وتطبيقها لتمكين الأفراد والمجتمعات. وأشار، مستخلصًا الدروس المستفادة من رحلة إستونيا الرقمية الرائدة، إلى أن التكنولوجيا يجب أن تخدم دائمًا الاحتياجات البشرية، مع التركيز على تمكين المستخدمين، والتجارب الرقمية السلسة، والمشاركة على مستوى المجتمع. وشدد سيكوت على أن الحكومات يجب أن تتحول من المشاريع التكنولوجية المعزولة إلى برامج التحول الشامل التي تركز على المستخدم، والتكرار والتجريب والتنبؤ بالمخاطر باستمرار. يكمن المستقبل في بناء المنصات الرقمية - وليس المعاملات فحسب - التي تنشئ مساحات افتراضية مشتركة واتصالات عبر المجتمع. كما أشار أيضًا إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره عاملًا قويًا، متصورًا مستقبلًا يمكن فيه الوصول إلى جميع الخدمات الحكومية من خلال مساعدين افتراضيين استباقيين يعملون بالذكاء الاصطناعي، مما يضمن الشمولية ويقلل من مخاطر حدوث فجوة رقمية جديدة. كانت رسالته الأساسية واضحة: التكنولوجيا هي مجرد أداة - التأثير الحقيقي يأتي من التحول الهادف المصمم حول الأفراد والثقة والتمكين.
في الكلمة الرئيسية الثانية، وجّه الدكتور هيتندرا باتيل، مؤسس معهد الابتكار العالمي (GIMI)، دعوة لحثّ القادة والمبتكرين على تبني التفكير الجريء والابتكار التحويلي لبناء مجتمعات مهيأة للمستقبل. وشدّد على أن التحسينات التدريجية الصغيرة لم تعد كافية في عالم يتسم بالتحولات والتغيرات التكنولوجية السريعة. وإنما يجب على المؤسسات والحكومات بدلاً من ذلك أن تتبنى تفكيرًا يهدف إلى تحقيق تحسينات تصل إلى 10 أضعاف بدلاً من الاكتفاء بتحقيق مكاسب بنسبة 10%. ومن الأمور المحورية في هذا التحول هو الانتقال من عقلية الكفاءة إلى عقلية الابتكار القائم على تحقيق الأهداف، حيث يصبح التأثير المجتمعي هو المقياس الأساسي للنجاح. وسلط الدكتور باتيل الضوء على أهمية تعزيز ثقافة تشجع على التجريب، وتقبل الفشل كجزء من النمو، وبناء منظومات تعاونية في مختلف القطاعات. كما أشار إلى الحاجة الملحة للابتكار الشامل الذي يضمن جميع شرائح المجتمع. وقال إنه من خلال الدمج بين القيادة الحكيمة والاستراتيجية القابلة للتنفيذ، يمكن للدول اغتنام الفرص الناشئة وتصميم مستقبل رقمي مستدام وشامل.
أما الكلمة الرئيسية الثالثة، فكانت للسيدة أندريا برازاكوفا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة BrainGym، التي سلطت الضوء على دور الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في تعزيز حقبة جديدة من الابتكار المجتمعي. أكدت السيدة أندريا على أن الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي ليسا مجرد تقدم تكنولوجي بل أدوات محورية لتعزيز الابتكار والشمولية المجتمعية. وتطرقت إلى كيفية تسخير الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المجتمعية، وتعزيز الخدمات العامة، وتمكين الأفراد من خلال توفير الوصول العادل إلى المعلومات والموارد. ودعت برازاكوفا إلى اتباع نهج يركز على الإنسان في التحول الرقمي، بما يضمن تحويل التقدم التكنولوجي إلى فوائد ملموسة لجميع شرائح المجتمع. وشددت على أهمية الجهود التعاونية بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية لخلق نظم بيئية رقمية مستدامة وشاملة. من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وأخلاقي، يمكن للمجتمعات أن توفر فرصًا جديدة للنمو والمرونة والتماسك الاجتماعي في العصر الرقمي.
وأخيراً، أكد علي حميد اللوغاني، وهو مبتكر إماراتي وناشط في مجال التأثير الاجتماعي، في خطاب شبابي ملهم، على الدور الحاسم للعقول اليافعة في دفع عجلة الابتكار والتأثير الهادف. قدم المخترع الإماراتي البالغ من العمر 13 عاماً نبذة ملهمة عن عقل المبتكر الصغير الذي تثبت رحلته أن العمر ليس عائقاً أمام تحقيق الأحلام الكبيرة. منذ اللحظة التي برز فيها فضوله للتكنولوجيا، أظهر علي شغفه بالتعلم وحل التحديات التي سرعان ما تطورت إلى اختراعات في العالم الحقيقي، وأبرزها مشروعه ”الدكتور روبوت“ الذي فاز بميدالية ذهبية في الولايات المتحدة الأمريكية، منافساً مخترعين عالميين. ما ميّز علي بالإضافة إلى ذكاءه ومهاراته في البرمجة، هو إيمانه الراسخ بأن أي شخص، بغض النظر عن عمره، يمكنه السعي لتحقيق النجاح. وخلال المقابلة، تحدث علي عن لحظات مؤثرة في حياته، مثل الدعم الذي تلقاه من عائلته، والتحديات التي تغلب عليها، ولحظات الشك التي حوّلها إلى قوة. وقدم نصيحة صادقة للمخترعين الطموحين، مشجعاً إياهم على البدء بخطوات صغيرة، والتحلي بالفضول، والالتزام بالسعي نحو تحقيق الأحلام. وقد عكست رسالته الختامية طموحه وهدفه: إذا أُتيحت له حرية اختراع أي شيء، فسيبتكر ما يخدم أفراد المجتمع - وهو دليل واضح لمخترع مستقبلي يطمح إلى التأثير.
كما ساهمت حلقات النقاش في المنتدى في إثراء الحوار. شارك في الجلسة الأولى قادة مثل سعادة المهندس محمد الزرعوني وسعادة محمد بن طليعه وسعادة خالد النعيمي والأستاذة عبير تهلك حيث قاموا بمناقشة كيفية تأثير الابتكار في تقاطع المجتمع والتكنولوجيا في تشكيل المجتمعات المستقبلية. وكان الموضوع الموحّد في المناقشة هو أهمية تمكين الشباب ليس فقط كمستهلكين للتكنولوجيا، بل كمبدعين أخلاقيين وصانعي تغيير. وأكد المتحدثون على الحاجة إلى تنشئة جيل من الشباب القادرين على قيادة الابتكار مع مراعاة الهدف والشمولية. وسواء من خلال الأطر التعليمية أو البرامج المجتمعية أو الدعم المؤسسي، عززت المناقشة أن محو الأمية الرقمية يجب أن يقترن بالقيم الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية.
وقد أجمع المتحدثون على أهمية إنشاء منظومات شاملة تمكّن الشباب من المشاركة في تصميم حلول للتحديات التي تواجه مجتمعاتهم. واتفق المتحدثون على ضرورة منح المبتكرين الشباب الأدوات والثقة والمنصات اللازمة للمساهمة بشكل هادف في التنمية الوطنية، بدءاً من صياغة السياسات الاجتماعية وتعزيز التماسك الاجتماعي إلى بناء خدمات عامة قائمة على الذكاء الاصطناعي. ويشمل ذلك تضمين أصوات الشباب في عملية صنع السياسات، وتوفير إمكانية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية، وتوسيع نطاق أفكارهم إلى حلول ملموسة من خلال الإرشاد والدعم المؤسسي.
ومن النتائج المركزية الأخرى للمناقشة هو الدور الحاسم للتعاون بين صانعي السياسات والقادة الرقميين وأصحاب المصلحة في المجتمع. لسد الفجوة بين التكنولوجيا واحتياجات المجتمع بشكل حقيقي، يجب أن يعتمد الابتكار على التعاطف والمرونة والتفكير القائم على الناس أولاً. يجب تصميم الخدمات العامة مع مراعاة التركيز على المواطن، بحيث لا يقتصر الأمر على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحقيق الكفاءة فحسب، بل لتعزيز جودة الحياة والرفاهية الاجتماعية.
وجمعت الجلسة الثانية خبراء مثل السيد عمر المحمود، والدكتورة فيسيلينا يانكوفا، والسيد جان لوك شيرير، والسيد رينزي جونغمان، والسيد سيد أحمد بنراون، الذين ناقشوا استراتيجيات بناء مجتمعات رقمية مزدهرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تمكين الشباب ورواد الأعمال.
وكان من أبرز ما شهده المنتدى الاحتفال بهاكاثون الإمارات 2025. حيث تم تقديم فيديو يسلط الضوء على تنوع وابتكار المشاريع المشاركة. وقد كرم المنتدى الشركاء الاستراتيجيين الذين دعموا هذه المبادرة الوطنية، مما يعكس التزام هيئة تنظيم الاتصالات بتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص كمحفز للابتكار.
كما استضاف المنتدى أيضاً حفل توزيع جوائز هاكاثون الإمارات 2025، حيث تم تكريم الإنجازات المتميزة في أربعة مسارات:
•في مسار الجيل الناشئ، فاز بالمركز الأول فريق RH، وجاء في المركز الثاني فريق فاير فايتر درون، وفي المركز الثالث فريق SDW.
•وفي مسار الجيل الرائد، حصل فريق Nadha.AI على المركز الأول، تلاه فريق Lexy في المركز الثاني، ثم فريق Tyredo في المركز الثالث.
•وفي مسار رواد الأعمال، حصل فريق ”منذر“ على المركز الأول، وحل فريق ZenTimetable وفريق Eco-Smart AI في المركزين الثاني والثالث على التوالي.
•أما في مسار المبدعين الحكوميين، فقد فاز كل من ”Justice for All“ و”فريق Address Intelligence Team“ و 9 Stars.
بعد توزيع الجوائز، اختتمت الفعالية بافتتاح معرض هاكاثون للابتكار ومنطقة التواصل، حيث أتيحت الفرصة للمشاركين لعرض حلولهم والتواصل مع أصحاب المصلحة واستكشاف فرص التعاون المستقبلية.
عكس منتدى تمكين المجتمعات الرقمية توجه دولة الإمارات العربية المتحدة نحو الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي والاستدامة. وقد سلط المنتدى الضوء على أهمية تعزيز التفكير الإبداعي، وتعزيز الابتكار الشامل، وبناء مستقبل رقمي مرن يمكّن الأفراد والمجتمعات من الازدهار في عالم سريع التطور.
اضغط على الروابط أدناه لمشاهدة تسجيلات المنتدى:
•https://drive.google.com/file/d/1R1myYTk0bO2rezgQJVT9yoSZQcmKmOXB/view?usp=sharing
•https://drive.google.com/file/d/1wHqW8G1KbDCtLagqvWbtarxglgJbTgBU/view?usp=sharing
•https://drive.google.com/file/d/1DGwaZbJXOkFBXCeHhspnn5yDzUqYKf_J/view?usp=sharing
•https://drive.google.com/file/d/1HtdqNgXWsxrbtkSpDR4yQQai_ycAreAo/view?usp=sharing